📁 آخر الأخبار

هل الهاتف يتجسس علينا؟ السر وراء ظهور إعلانات لأشياء مجرد فكرنا بها.

رسم توضيحي رقمي احترافي يظهر رجلاً جالساً يفكر في ميكروفون (يظهر في فقاعة تفكير فوق رأسه)، بينما أمامه هاتف ذكي يسطع منه ضوء يعرض شبكة هولوغرافية مترابطة تحتوي على أيقونات ميكروفونات ولافتات إعلانية (AD) وشفرات برمجية، مع رمز عين إلكترونية على شاشة الهاتف، في دلالة بصرية على تتبع السلوك الرقمي واستهداف الإعلانات.
رسم توضيحي شامل يجسد المعضلة الرئيسية: كيف تتحول أفكارك الصامتة (مثل الرغبة في ميكروفون) إلى شبكة معقدة من البيانات والإعلانات المستهدفة التي تطاردك عبر هاتفك الذكي.

 

مقدمة: عندما يتحول "مجرد تفكير" إلى إعلان يطاردك

هل سبق لك أن جلست مع صديق أو شريك حياتك، وتحدثت عن رغبتك في شراء منتج معين، أو حتى مجرد فكرت فيه بصمت، لتفاجأ بعد دقائق أو ساعات قليلة بأن هاتفك يغرق بإعلانات لهذا المنتج تحديداً؟

هذا ليس مشهداً من فيلم خيال علمي، ولا هو محض صدفة عابرة. هذا ما حدث معي شخصياً قبل أيام قليلة، وهو ما دفعني لكتابة هذا المقال لكشف الستار عن أحد أكثر الألغاز التقنية التي تؤرقنا جميعاً.

القصة بدأت ببساطة: كنت أعاني من مشكلة تقنية بسيطة، وهي محاولة توصيل سماعة الهاتف (الكيت) بجهاز الحاسوب لتسجيل الصوت. المحاولة باءت بالفشل، والنتيجة لم تكن مرضية. هنا، تولدت في ذهني فكرة: "لماذا لا أشتري ميكروفوناً احترافياً؟". كانت مجرد فكرة، تصور ذهني لم يترجم إلى أي بحث على جوجل أو أمازون. حتى أنني قررت بيني وبين نفسي أن أشتريه من "متجر الحي" وليس من الإنترنت. شاركت هذه الفكرة مع زوجتي في حديث عابر، وانتهى الأمر.

المفاجأة؟ بمجرد أن فتحت وسائل التواصل الاجتماعي، بدأت إعلانات الميكروفونات الاحترافية تظهر لي تباعاً! كيف عرفوا؟ أنا لم أكتب، لم أبحث، ولم أسأل "جوجل". هل هاتفي يتنصت عليّ؟ هل هناك "جاسوس" صغير يسكن بين الرقائق الإلكترونية؟

في هذا المقال، سنغوص عميقاً في عالم 👈البيانات الضخمة (Big Data)، و علم النفس، و 👈الذكاءالاصطناعي، لنشرح لك بالأدلة كيف يعرف هاتفك ما تفكر فيه، وهل هو فعلاً يتجسس أم أنه مجرد "ذكي جداً" لدرجة مخيفة؟

 

نظرية المؤامرة.. هل مارك زوكربيرج يستمع لمحادثات العشاء؟

الجواب المختصر والسريع الذي تقدمه كبرى شركات التقنية (فيسبوك، جوجل، أمازون) هو: لا.

ولكن، لماذا يشعر الجميع بعكس ذلك؟

من الناحية التقنية البحتة، فكرة أن تقوم التطبيقات بتسجيل صوتك على مدار 24 ساعة، ورفعه إلى 👈خوادم سحابية (Cloud Servers)، ومن ثم 👈تحويل الصوت إلى نص (Speech-to-Text)، وتحليله لاستخراج كلمات مفتاحية للإعلانات، هي عملية مكلفة بشكل جنوني.

لماذا يعتبر "التنصت الصوتي" أمراً صعباً تقنياً؟

  1. حجم البيانات الهائل: تخيل حجم البيانات الصوتية لمليارات المستخدمين يومياً. معالجتها تتطلب مراكز بيانات (Data Centers) تفوق الموجود حالياً بمراحل.
  2. استهلاك البطارية والبيانات: لو كان هاتفك يسجل ويرفع الصوت طوال الوقت، لنفدت باقة الإنترنت والبطارية في ساعات قليلة.
  3. العوائق القانونية: اكتشاف أمر كهذا سيعرض الشركات لغرامات بمليارات الدولارات وانهيار أسهمها في البورصة.

إذن، إذا لم يكونوا يستمعون إلينا حرفياً، فكيف عرفوا أنني أريد "ميكروفوناً"؟ الجواب يكمن في شيء أكثر دقة وذكاءً من التنصت: إنه التنبؤ السلوكي.


رسم توضيحي رقمي بأسلوب متطور يظهر مقطعاً عرضياً لأذن بشرية مدمجة داخل لوحة الدوائر الإلكترونية لهاتف ذكي، وتظهر فوقه علامة استفهام مضيئة وموجات صوتية، في رمزية للشكوك حول قيام تطبيقات الهاتف بالتنصت على المستخدمين عبر الميكروفون.
 رسم توضيحي يعبر عن التساؤل الشائع: هل يمتلك هاتفك الذكي "أذناً" خفية يستمع بها إلى محادثاتك لغرض توجيه الإعلانات؟


خوارزميات التنبؤ.. أنت لست شخصاً، أنت "نمط بيانات" 

السر الحقيقي يكمن فيما يسمى بـ "بصمة الظل" (Shadow Profile) والخوارزميات التنبؤية. شركات الإعلانات لا تحتاج لسماع صوتك لتعرف ما تريد، هي فقط تحتاج لمراقبة سلوكك الرقمي واستنتاج الباقي.

دعونا نحلل حالتي الشخصية كمثال عملي (Case Study):

1. تحليل السلوك المترابط (Correlation)

لقد ذكرت أنني حاولت وصل "الكيت" بالحاسوب. هذا الفعل البسيط ترك أثراً رقمياً، حتى لو لم أبحث عن ميكروفون.

  • عندما قمت بتوصيل السماعة، ربما دخلت إلى إعدادات الصوت في الويندوز.
  • ربما بحثت عن تعريفات (Drivers) للصوت.
  • أو ربما قضى نظام التشغيل وقتاً أطول في محاولة التعرف على جهاز صوتي جديد وفشل.

بالنسبة لشركات البيانات، هذا السلوك يُترجم كالتالي: "المستخدم يواجه مشكلة في إدخال الصوت".

الخوارزمية تمتلك بيانات لملايين المستخدمين قبلي، وتعرف أن: "80% من المستخدمين الذين حاولوا تعديل إعدادات الصوت وفشلوا، قاموا بشراء ميكروفون خارجي خلال 48 ساعة".

إذن، الخوارزمية لا تقرأ أفكاري، هي تقرأ الخطوة المنطقية التالية لسلوكي.

2. الاهتمامات المسبقة (User Persona)

بصفتي صانع محتوى ومهتماً بمجال السيو والتقنية، فإن تصنيفي لدى المعلنين هو "Content Creator".

هذا التصنيف يجعلني هدفاً دائماً لإعلانات الأدوات التقنية (كاميرات، إضاءة، ميكروفونات). قد يكون توقيت ظهور الإعلان مجرد مصادفة مدروسة تزامنت مع حاجتي الفعلية، مما جعلني ألاحظه بدقة أكبر.

 

"شريكك" هو الجاسوس غير المتعمد

ذكرت في قصتي أنني "قلت الفكرة لزوجتي". هذه النقطة هي المفتاح السحري الذي يغفله الكثيرون، وتتعلق بما يسمى الربط الجغرافي والاجتماعي (Geo-Social Mapping).

كيف يعرف هاتفي ما بحثت عنه زوجتي؟

أنت وزوجتك تعيشان في نفس المنزل، مما يعني:

  1. تتصلان بنفس شبكة الواي فاي (IP Address).
  2. تتواجدان في نفس الموقع الجغرافي (GPS Location) لفترات طويلة.
  3. هناك تفاعل متبادل بين حساباتكما على منصات التواصل.

السيناريو المحتمل:

بعد حديثي مع زوجتي، قد تكون هي - بدافع الفضول أو الرغبة في المساعدة - قد أمسكت هاتفها وبحثت عن "أسعار الميكروفونات"، أو توقفت لمشاهدة فيديو قصير (Reel) عن معدات التصوير.

الخوارزمية هنا تفكر كالتالي: "هذان الجهازان (هاتفي وهاتف زوجتي) مرتبطان ببعضهما بشدة (زوجان). الجهاز (أ) أبدى اهتماماً بالميكروفونات، إذن هناك احتمال 90% أن الجهاز (ب) مهتم بنفس المنتج، أو أنهما يتخذان قرار الشراء معاً."

وهكذا، تظهر الإعلانات لي أنا، بناءً على سلوك زوجتي!

 

رسم توضيحي يظهر شبكة رقمية افتراضية تربط بين عدة هواتف ذكية داخل منزل واحد، مع خطوط مضيئة تمثل انتقال البيانات والإعلانات بين جهاز الزوج وجهاز الزوجة عبر شبكة الإنترنت المشتركة، مما يفسر ظاهرة ظهور إعلانات موحدة لجميع أفراد البيت.
كيف يؤدي اتصال الأجهزة بنفس شبكة الواي فاي المنزلية إلى ظهور نفس الإعلانات لأفراد العائلة المختلفين (الربط الجغرافي).

ظاهرة "بادر-ماينهوف".. عندما يخدعنا العقل

الجانب النفسي لا يقل أهمية عن الجانب التقني. هناك ظاهرة نفسية موثقة تسمى "وهم التردد" (Frequency Illusion) أو تأثير Baader-Meinhof.

ما هي هذه الظاهرة؟

ببساطة، عقلك يقوم بفلترة (تجاهل) آلاف المعلومات والإعلانات التي يراها يومياً لأنها لا تهمه.

  • قبل أن أفكر في الميكروفون، ربما ظهر لي إعلان عنه 10 مرات في الأسبوع الماضي، لكن عيني مرت عليه مرور الكرام لأنني لم أكن بحاجة إليه.
  • بمجرد أن فكرت فيه وتحدثت عنه، تنشط في دماغي منطقة تسمى نظام التنشيط الشبكي (Reticular Activating System - RAS). وظيفة هذا النظام هي التركيز على ما يهمك حالياً.

فجأة، أصبحت عيني "تصطاد" أي صورة لميكروفون. الإعلانات لم تزدد فجأة، بل انتباهي هو الذي زاد. إنه نفس الشعور عندما تشتري سيارة من نوع معين، وفجأة تشعر أن كل الناس في المدينة اشتروا نفس السيارة! هم كانوا هناك طوال الوقت، لكنك لم تكن تراهم.

 

كيف تحمي خصوصيتك وتقلل من دقة الاستهداف؟

رغم أن ما شرحناه يبرئ الشركات من تهمة "التنصت الحرفي المباشر"، إلا أنه يثبت تهمة "المراقبة السلوكية الدقيقة". إذا كنت تشعر بعدم الارتياح من دقة هذه الإعلانات، إليك بعض الخطوات العملية التي يمكنك تطبيقها فوراً:

1. إدارة أذونات التطبيقات (Permissions)

  • ادخل إلى إعدادات هاتفك، ثم "الخصوصية"، ثم "مدير الأذونات".
  • راجع التطبيقات التي تملك صلاحية الوصول إلى الميكروفون والكاميرا.
  • اسأل نفسك: هل يحتاج تطبيق "المصباح اليدوي" أو "لعبة شطرنج" إلى الميكروفون؟ إذا كان الجواب لا، قم بإلغاء الإذن فوراً.

2. إيقاف الإعلانات المخصصة

 👈(Personalized Ads)

  • في جوجل: اذهب إلى إعدادات حساب جوجل > البيانات والخصوصية > إعدادات الإعلانات > وأوقف "تخصيص الإعلانات".
  • في فيسبوك: الإعدادات > تفضيلات الإعلانات > إعدادات الإعلانات > وبيانات الشركاء.

3. استخدام متصفحات تحترم الخصوصية

حاول استخدام متصفحات تمنع ملفات تعريف الارتباط (Cookies) الخاصة بالتتبع، مثل متصفح Brave أو استخدام محرك بحث DuckDuckGo بدلاً من جوجل للبحث عن الأمور الحساسة التي لا تريد رؤية إعلانات عنها.

4. فصل المساعد الصوتي

إذا كنت لا تستخدم "Siri" أو "Google Assistant"، فمن الأفضل إيقاف تفعيلها بالاستماع الدائم لكلمة "Hey Google"، لأن هذا يقلل من فرص تفعيل الميكروفون عن طريق الخطأ.


الخاتمة: سحر التقنية أم انتهاك للخصوصية؟

في النهاية، ما حدث معي في قصة الميكروفون، وما يحدث معك أنت أيضاً، هو نتاج تزاوج مذهل ومخيف في آن واحد بين تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي تحلل البيانات بسرعة الضوء، وبين طبيعتنا البشرية التي تميل للبحث عن أنماط وتفسيرات.

الشركات لا تحتاج للتجسس على كلماتك، لأن أفعالك، صمتك، توقفك عند صورة معينة، وحتى مشاكل حاسوبك التقنية، تتحدث بصوت أعلى من لسانك.

والآن دورك عزيزي القارئ:

هل حدث معك موقف مشابه؟ هل فكرت في شيء وظهر لك إعلانه فوراً؟ شاركنا قصتك في التعليقات، وهل تعتقد أن التفسير التقني مقنع، أم أنك لا تزال تؤمن بأن الهاتف "يسمع دبيب النمل"؟

إليك عدة نماذج احترافية ومحفزة لـ "خاتمة المقال" (Call to Action - CTA)، مصممة خصيصاً لاستفزاز رغبة القارئ في المشاركة، يمكنك اختيار الأنسب منها لأسلوب مدونتك:


💬 والآن، الميكروفون لك!

لقد شاركتكم قصتي مع "الميكروفون" الذي لم أبحث عنه، والآن جاء دوركم.

ما هو أغرب موقف حصل معك؟ هل سبق وفكرت في منتج معين أو همست باسمه سراً، لتجد إعلانه يطاردك في اليوم التالي؟

شاركنا قصتك "المرعبة" تقنياً في التعليقات بالأسفل، ودعنا نرى من صاحب أغرب صدفة! 👇

الزروالي سليم
الزروالي سليم
مرحباً بك في وجهتك الأولى لاستكشاف أعماق التكنولوجيا التي تُشكّل الغد. نحن نؤمن بأن المستقبل ليس شيئاً ننتظره، بل هو واقع نبنيه الآن من خلال الفهم العميق للعلوم والتقنيات الناشئة. مدونة "العلوم التقنية وبحوث المستقبل" هي أكثر من مجرد موقع؛ إنها مختبرك الرقمي الذي يجمع بين التحليل المنهجي والتطبيق العملي. هدفنا هو تزويدك بالمعرفة والأدوات اللازمة ليس فقط لمواكبة التطور، بل لتكون في مقدمة هذا التطور. من هنا تبدأ رحلتك نحو إتقان المهارات الأكثر طلباً وتفهم القوى الدافعة خلف التحول الرقمي: للتقنيين والمطورين، ستجد مسارات تعليمية منظمة، وشروحات برمجية مفصلة، وتحليلاً لأدوات تطوير الويب الحديثة. لرواد الأعمال والمهتمين بالربح، نوفر استراتيجيات دقيقة في التسويق الرقمي، ونصائح عملية للعمل الحر والمهارات الرقمية لزيادة دخلك. لمستكشفي الغد، نغوص في تأثير الذكاء الاصطناعي، ونتعمق في نماذج الذكاء، ونقدم رؤى حول أمن المعلومات والحماية الرقمية. تصفح أقسامنا، وابدأ اليوم بتعلم المهارات التي تحول الشغف إلى مهنة، والفضول إلى رؤية واضحة للمستقبل.
تعليقات



  • جاري التحميل...